بعد مضی أكثر من 14 عاما على سقوط أقسى حاكم عرفه العراق فی التاریخ المعاصر نجد الیوم أجیالا فی العراق لا تعلم عن صدام سوى أنه كان یحكم بالحدید والنار مانعا أی اختراق أمنی، ولكن هل هذه هی الحقیقة الكاملة؟
یُقال أن ذاكرة الشعوب ضعیفة، وإنها تعیش هم یومها متناسیة هموم الأمس، ولكن ذاكرة الاعلام طویلة والتاریخ قد یُنسى ولكنه لا یَنسى، والیوم دقت الساعة لینهض الجیل الذی لم یشهد عهد صدام، یقرأ التاریخ ویأخذ منه العبر.
منذ عام 2003 واجه العراق الكثیر من الأزمات وعلى رأسها أزمتی الأمن والاقتصاد، إلا أنهاتین لم تكونا سوى تركة النظام البائد للشعب العراقی، وهی تركة تلونت وأصبحت أكثر وضوحا فی ظل حریة الاعلام التی بلغت حد الفوضى والتضلیل المتعمد.
لو قلنا أن الأمن فی العراق لم یستتبب یوما خلال مائة عام خلت، لما جانبنا الحقیقة، وبالنظر الى أننا ندرس الحاضر، سنترك للقارئ حریة مراجعة كتب التاریخ للاطلاع على حجم الحروب والأزمات الأمنیة والانقلابات العسكریة الناجحة منها والفاشلة خلال 100 عام من تاریخ العراق.
السیارات المفخخة والانتحاریون، سیطرة الارهابیین على المدن وفرضهم شرائع ما أنزل الله بها من سلطان هی جزء من الأزمة الأمنیة التی یعیشها العراق منذ عام 2003، إلا أن الأمور لم تكن أفضل حالا خلال عهد صدام باختلاف أدوات القتل والمسمیات رغم أن الهدف واحد.
أدت الحرب الهوجاء التی شنها نظام صدام ضد الجارة الشرقیة إیران الى خسارة الشعب العراقی 340 الف قتیل و جرح 700 ألف آخرین. أی أن معدل الضحایا بلغ قرابة 3500 قتیل بالإضافة الى 7300 جریح فی الشهر على مدى 8 سنوات، أما مغامرة احتلال الكویت والتی دامت لمدة 6 أشهر و3 أسابیع، فخلفت بین 70 الى 100 الف قتیل عراقی، وبافتراض صحة العدد الأدنى أی 70 الف، فهذا یعنی مقتل أكثر من 10 آلاف عراقی كل شهر؛ وهذه الأعداد لا یمكن مقارنتها بأحلك الفترات التی عاشها العراق بعد عام 2003، وكل هذا من دون ذكر الاعدامات السیاسیة، المقابر الجماعیة، مجازر قمع الانتفاضة الشعبانیة وضرب الأكراد بالأسلحة الكیماویة.
أما على الصعید الاقتصادی، فنرى الیوم بوضوح تهافت العراقیین على الوظائف الحكومیة، حتى أصبح الكثیر من الشباب الذین یمارسون أعمالا حرة یعتبرون أنفسهم عاطلین عن العمل لأنهم لم یتوظفوا فی مرافق الدولة، وهذا یعتبر ثورة فی الرواتب الحكومیة بالعراق، بعد أن كان راتب الطبیب والمعلم فی العراق 3000 دینار عراقی (أی دولار ونصف) وهو لا یكفی لشراء كرتون بیض واحد، فیما كان العمل الحكومی اجباریا، ومن یتغیب عن العمل یُواجه عقوبات فاشیة قد تصل الى قطع التیار الكهربائی عن منزله.
مغادرة العراق للسیاحة والسفر أو العلاج، أصبحت الیوم أمرا عادیا، فیما كانت ضریبة السفر فی عهد صدام 400 الف دینار عراقی وتساوی راتب الطبیب لحوالی 12 سنة، أما الأدویة والمستلزمات الطبیة، فكانت من وسائل "الرفاهیة" التی حرم صدام منها الشعب العراقی بینما كان یبنی القصر تلو القصر فی مختلف مدن العراق حتى بلغت قرابة الف قصر 200 منها فی بغداد.
الربع (أی ربع كیلو) ونصف الربع (125 غرام) كانت أوزانا شائعة فی الأسواق العراقیة فی ظل الفقر المدقع الذی عاشته العائلة العراقیة، وهذه الأوزان لم تقتصر على اللحوم، بل كانت تستعمل حتى فی شراء الفاكهة أو الخیار والطماطم.
سیارة فولكس فاجن باسات والمعروفة فی العراف باسم "البرازیلی" كانت ملكة الشارع، وهی ملكة لم یعرف التبرید إلیها سبیلا ناهیك عن التدفئة التی لم تكن تعمل، فیما ینعم العراقیون الیوم بركوب أحدث المركبات، والتحدث عبر الایفون والبلاك بیری ومختلف أنواع الهواتف الجوالة التی كانت ممنوعة فی العراق، ولو سمح بها النظام لما كان العراقیون قادرون على شرائها بالرواتب التی وفرها نظام صدام.
فی النهایة یجدر القول، أن المرحلة الحالیة التی یعیشها العراق لا تخلو من المنغصات الأمنیة والاقتصادیة التی أصبح الحدیث عنها جزءا روتینیا فی حیاة العراقیین فی ظل حریة الاعلام وحریة الرأی، ولكن من العدل أن نُقر بأن العراق رغم انشغاله بحرب ضروس ضد تنظیم داعش الإرهابی، إلا أنه یتخلص یوما بعد یوم من التركة الثقیلة التی خلفها النظام السابق ویسیر نحو الأفضل وكما یقول المثل العراقی "العافیة بالتداریج".
LINK: https://www.ansarpress.com/english/8058
TAGS: